ad a b
ad ad ad

«مقتدى الصدر».. من قيادة ميليشيات إلى السلطة

الأربعاء 23/مايو/2018 - 12:54 م
مقتدى الصدر
مقتدى الصدر
إسلام محمد
طباعة
عديدة هي المرات التي تصَدّر فيها مقتدى الصدر نشرات الأخبار؛ بسبب تزعمه الطائفة الشيعية الاثني عشرية، في جنوب العراق، فرغم عدم حصوله على صفة «مرجع ديني»، فإن مكانته العائلية أَهَّلته ليتبوأ مرتبة عالية لدى الجماهير الغفيرة، التي تُدين له بالولاء المطلق.

واليوم يقف على أعتاب تشكيل حكومة ائتلافية في العراق بعد فوز قائمته بأكثرية مقاعد البرلمان في الانتخابات النيابية أخيرًا، وهو يُجري مفاوضاته الآن مع زعماء الكتل الأخرى؛ للاتفاق على تشكيل الحكومة، التي وعد أنها لن تكون طائفيةً أو «شيعيةً» على الأخص، بل ستكون ممثلةً لكل أطياف الشعب العراقي، دون إقصاء أو تمييز.

ولد «مقتدى الصدر» عام 1973، وكان والده محمد صادق الصدر، مرجعًا دينيًّا كبيرًا في مدينة النجف بالعراق، وعند اغتيال والده في 19 من فبراير 1999، اشتعلت مدن الجنوب، وحدثت اضطرابات وأعمال عنف، راح ضحيتها المئات من القوات الحكومية والمتظاهرين الغاضبين، الذين حمَّلوا نظام صدام حسين مسؤولية قتله.

بعد مقتل والده، تولى «مقتدى» مكانه في قيادة جماهير ما يُعرف بـ«التيار الصدري»، وعمره لم يتعدَّ آنذاك 29 عامًا، وأشرف على جامعة الصدر الدينية التي أسسها والده قبل اغتياله بقليل، والحوزة الدينية بالنجف.

بعد الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003، وسقوط نظام الرئيس صدام حسين، أعلن «الصدر» خلال خطبة الجمعة بمسجد الكوفة في يونيو من العام ذاته، تأسيس ميليشيات مسلحة، أُطلق عليها «جيش المهدي» بزعم حماية المراقد الدينية.

في العام التالي اندلعت اشتباكات دامية، بين الميليشيات والقوات الأمريكية؛ بسبب غلق هيئة الحكم الأمريكية لصحيفة «الحوزة» التي يصدرها «التيار الصدري»، وفي 5 من أبريل 2004، هاجم جيش المهدي قواعد عسكرية إيطالية، واستولى عليها، لكن تم استردادها بعد قليل، وفي 14 مايو شنت القوات الأمريكية هجومًا على «الصدر» لاعتقاله، بعد اتهامه بالتورط في اغتيال رجل الدين الشيعي عبدالمجيد الخوئي، فإن الصدريين تصدوا للقوات، وامتدت المواجهات إلى أغلب محافظات وسط وجنوب العراق.

في فبراير 2006، فجر مجهولون مرقد الإمامين العاشر والحادي عشر (علي الهادي، والحسن العسكري) المقدسين لدى الطائفة الشيعية الاثني عشرية، في مدينة سامراء ذات الأغلبية السُّنية؛ لتشتعل بعدها حملات تطهير طائفي، واتُّهم جيش المهدي بالتورط في تفجير المرقد لاتخاذه ذريعة لممارسة مقاتليه عمليات القتل الجماعي والتعذيب ضد أهل السُّنة، فيما عُرف إعلاميًّا بـ«فرق الموت»، وبلغت ضحاياه أعداد هائلة.

ولكن مع اشتداد عُود «جيش المهدي» زادت وتيرة التصادمات بينه وبين القوى المختلفة على اقتسام مناطق النفوذ، ففي أغسطس 2006 اندلعت اشتباكات عنيفة بينه وبين الشرطة العراقية؛ بهدف السيطرة على مدينة العمارة، وفي 20 من يناير 2007، استهدف مجلس محافظة كربلاء وخطف جنودًا أمريكيين، وفي 27 من فبراير 2007، فرض حصارًا على القواعد البريطانية في البصرة، وفي 28 من أغسطس، جرت اشتباكات بينه وبين القوات النظامية بعد اعتقالها لأحد قادته.

الميليشيات المجمدة
أمر «الصدر» بتجميد عمل جيش المهدي لمدة 6 أشهر في 29 من أغسطس 2007، وسافر إلى مدينة قم الإيرانية للدراسة في حوزتها العلمية، وفي 22 من فبراير 2008 جدد التجميد مرة أخرى، فشنت القوات الحكومية حملة عسكرية مدعومة أمريكيًّا في 25 من مارس 2008، استهدفت معاقل جيش المهدي، واعتقلت العديد من أنصاره، وصادرت العديد من الأسلحة، فطلب مقتدى من أتباعه رفع المصاحف والورود في وجه القوات المهاجمة، ولم يعد جيش المهدي للعمل مرة أخرى، وفي سبتمبر 2008 أُسست ميليشيا جديدة باسم «لواء اليوم الموعود»، لتحلّ محلّه.

عاد «الصدر» من إيران مطلع عام 2011، وأعلن وقف عمليات لواء اليوم الموعود في سبتمبر من العام نفسه، وفي 2014 أسس ميليشيا جديدة باسم «سرايا السلام»؛ بحجة قتال تنظيم داعش الإرهابي، اشتركت فيها قيادات سابقة بجيش المهدي ولواء اليوم الموعود، على الرغم من إعلان الأخير التزامه عدم الاشتراك في السرايا؛ لاختلاف الهدف الذي أنشئت من أجله عن مهام اللواء.

قرر «الصدر» تجميد السرايا في 14 من فبراير 2014، ليتراجع عن قراره في الشهر التالي، إلا أنه في فبراير 2015، أعلن تجميد كل من لواء اليوم الموعود، وسرايا السلام، مع بقاء تجميد الجهات الأخرى إلى أجل غير مسمى، كإثبات لحسن نيته، لكن السرايا عادت للقتال مرة أخرى جنبًا إلى جنب مع القوات العراقية، في عمليات تحرير جزيرة سامراء من سيطرة تنظيم داعش.

في ثوب جديد
شهد عام 2017 محاولات الصدر تحقيق مزيد من الاستقلالية عن الخط الإيراني، ففي شهر يوليو سافر إلى الرياض في زيارة هدفت لتقريب وجهات النظر مع النظام السعودي، وأتبعها في الشهر التالي بزيارة للإمارات، ليعود بعدها إلى بلاده، مطالبًا الحكومة بإنهاء عمل الميليشيات الشيعية وسحب سلاحها جميعًا، لكنه استثنى سرايا السلام التابعة له؛ مبررًا إبقاء سلاحها بأنها مكلفة بحماية مرقد الإمامين في سامراء، كما جدد مطالبته بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد، المدعوم من إيران؛ ما أثار انتقادات كثيرة ضده.

وفي ديسمبر من العام نفسه، قرر تجميد عمل كتلة الأحرار البرلمانية التابعة له التي تضم 34 نائبًا، وأرجع متابعون القرار إلى فساد السمعة والاتهامات بالفساد التي لاحقت نواب الكتلة، وتهاوت شعبيتهم بين المواطنين، بعد إحالة عدد منهم إلى هيئة مختصة بكشف الفساد تابعة للتيار الصدري؛ فلذلك لجأ التيار إلى تغيير الأسماء والقوائم؛ لخداع القواعد الانتخابية، ورفع شعارات الإصلاح والتغيير، وهو ما لم يكن ممكنًا في ظل وجود الأحرار.

وفي مارس 2018 فاجأ الجميع بتحالفه مع الحزب الشيوعي، في سابقة هي الأولى من نوعها في العراق، في تجمع يضم 6 أحزاب تحت شعار «سائرون نحو الإصلاح»؛ بهدف توحيد القوى في مواجهة رئيس الوزراء حيدر العبادي.

وفاجأ المراقبين مرة جديدة بفوز كتلته «سائرون نحو الإصلاح»، بالمركز الأول في الانتخابات النيابية في 12 مايو الحالي، بعد نجاحها في الحصول على 54 مقعدًا، تلتها قائمة الفتح التابعة لميليشيا الحشد الشعبي، بواقع 47 مقعدًا، ثم ائتلاف النصر برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي بواقع 42 مقعدًا.

ووعد «مقتدى» بتشكيل حكومة تكنوقراط لا تنتمي إلى أي طائفة، ولا تمثل سوى العراق، محاولًا محو ماضيه الطائفي والتصالح مع المكونات المختلفة للشعب العراقي، وغرد عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «أنا مقتدى، شيعي في العلا، سني الصدى، مسيحي الشذى، صابئي الرؤى، إيزيدي الولا، إسلامي المنتهى، مدني النهى، عربي القنى، كردي السنا، آشوري الدنى، تركماني المنى، كلداني الفنا، شبكي الذرى، عراقي أنا».
"