في اعتقادي أن الحرية لا تُمنح إلا للأسوياء نفسيًّا، حتى لا تتحول إلى سلاح مضاد يقتل صاحبه.
فالبرغم من قسوة رد الجنرال عمر سليمان -رحمه الله- على سؤال إحدى مذيعات قناة أجنبية أثناء ثورة 25 يناير عن الديمقراطية (إن الشعب المصري غير مؤهل للديمقراطية) إلا أن كلامه أيده الواقع، لا نقول واقع الشعب المصري، بل واقع الوطن العربي.
فالوطن العربي غارق في مشكلات طائفية وعرقية تجعل الحرية له نوع من المجازفة والهلاك؛ للأسف إن الحرية تبرز أسوأ ما فينا، وتخرجه على صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، بل إلى ساحات القتال؛ سب، وقتل، وتخوين، وفتواى التفسيق والتكفير.
الحرية أبرزت الطائفية في أبشع صورها، قطعت العراق، ومزقت سوريا، وأغرقت اليمن الحبيب؛ نسأل الله أن يعيد للوطن العربي أمنه، ووحدة أراضيه.
على الشباب العربي المتوهج بالحماس والشيوخ الطامحين إلى مستقبل أفضل لأبناء أوطانهم أن يتخلصوا أولًا من أمراض الطائفية التي تنهش في جسد الوطن العربي، وثقافة الكراهية والتحريض والتبديع التي تركت سنوات تنمو في قلوب الشعوب العربية، لقد أصبح البأس الشديد الذي ذكره القرآن الكريم من صفات أعداء الوطن العربي أصلًا أصيلًا بين الطوائف والجماعات وحركات الإسلام السياسي.
لقد توحدت الحركات الإسلامية الجهادية في مواجهة المد الشيوعي في أفغانستان، واستطاعت حفظ الأراضي الأفغانية من الضياع، ثم تناحرت وتقاتلت وأضاعت الأراضي الأفغانية، وتركتها ساحة للدمار، ومستنقعًا من الجهل بكل صوره.
ومن أفغانستان إلى العراق وسوريا، ثم كادت مصر أن تقع في فخ التناحر الفكري والمذهبي أثناء حكم الإخوان لولا حفظ الله لها.
إن خطر حكم الإخوان على مصر في اعتقادي واعتقاد المتخصصين لا يكمن في عدم خبرتهم الاقتصادية أو السياسية، لكن الخطر الحقيقي هو تناحر الأفكار، فالجماعة الإسلامية والحركة السلفية كان بينهما وبين الإخوان توافق مؤقت إلى أن تستقر لهم الأمور، ثم تظهر كل جماعة معلنة أنها الأحق بالحكم، وأنها المفوضة عن الله في حكم البلاد؛ لأنها تمتلك الحق المطلق.
وقد سألتُ أحد قيادات الجماعة الإسلامية يومًا، بعد ما سمعتُ له خطبة عنترية في الدفاع عن الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي، لماذا تصرح بهذا وأنا أعلم شدة عدائك للإخوان؟ فأجاب إنها مجرد مرحلة، وعدد وقائع للإخوان تنذر بالغدر للمحيطين بهم من الأنصار، أشهرها تولية ممثل الجماعة الإسلامية محافظًا للأقصر، رغم تأكيد الجماعة أن يكون في المنيا أو الفيوم لكثرة أنصار الجماعة هناك.
وأخيرًا إذا أراد الوطن العربي مزيدًا من الحريات، فعليه أولًا أن يثور على طائفيته وعاداته في الهجوم على خصومة، ولا يجعل القضية مع الله أو أنها كفر وإيمان، وجنة ونار، القضية برمتها لا تمت إلى الدين في حقيقتها، لكنها سياسية وفقط.





