لا أحد يستطيع أن ينكر أهمية المعارضة داخل كل نظام سياسي، فالمعارضة تنتج عن اختلاف التوجهات الأيديولوجية أو السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو جميعها معًا، والاختلاف هو سنة الله الكونية القدرية في أرضه وملكه، وفضلًا عن كون المعارضة سنة كونية فإنها تضع الأنظمة السياسية على الطريق الصحيح إن أخطأت، فهي بمثابة الرئة للنظام، فيتنفس من خلالها كل من هم في السلطة، فإن كانت معارضة واعية وطنية، فإن هواءها سيكون نظيفًا نقيًّا، وسيؤدي بالتبعية إلى سلامة وصحة جسد النظام، وبالتالي إطالة أمده واستمراره في موقع القيادة.
أما إن كانت المعارضة غير واعية ولا وطنية فإن هواءها سيكون ملوثًا وربما مسممًا، بما يؤدي إلى ضعف الحالة الصحية العامة للنظام، وربما يؤدي إلى وفاته وانهيار الدولة برمتها في حال وصول تلك المعارضة غير الواعية إلى سدة الحكم بعد نجاحها في إسقاط النظام السياسي الذي تعارضه.
والحكومات الذكية هي التي تصنع المعارضة ما لم تكن موجودة، والنظام الذي يسمح بوجود معارضة هو نظام ناجح محب لوطنه، يقدر قيمة الاختلاف الصحي، ولكن في المقابل فإن المعارضة غير الواعية لا تقدر قيمة هذا الاختلاف، فتحوله من اختلاف صحي إلى مرضي، يأكل الأخضر واليابس، فلا تكون نيرانه صديقة، وإنما تحرق كل شيء، فلا تُبقي ولا تَذر؛ لأنها معارضة الهدم لا البناء.
وتتوقف المعارضة بكل أنواعها على الأيديولوجيا السياسية للنظام؛ لأنها تتحكم في السياسات الاجتماعية التي تتبناها الحكومة، وهو الأمر الذي يجعل القوى السياسية تغير مواقفها تجاه السلطة الحاكمة من التأييد إلى المعارضة والعكس.
وإذا نظرنا إلى الواقع المصري سنجد أننا أمام نظام سياسي ذي أيديولوجية سياسية وطنية، تُعلي الوطن واستقراره وأمنه وأمانه فوق كل اعتبارات أخرى، وهو نظام جاء بعد إسقاط حكم جماعة الإخوان الإرهابية، التي فشلت في إدارة البلاد، ومن ثم فإنه من الطبيعي أن تجتمع قوى الإسلام السياسي أو معظمها وتتحالف ضده باعتبارها قوى معارضة، بالإضافة إلى فريق آخر يضم مجموعات ترتدي ثياب الثورة والليبرالية والاشتراكية، في ظل غياب الدور الحقيقي للأحزاب السياسية في الشارع المصري، رغم كثرتها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن.. هل يمكن اعتبار هذه المعارضة معارضة وطنية واعية؟!
وللإجابة على هذا السؤال لا بد أن نتطرق لبعض صفات المعارضة الواعية، فهي معارضة تقدم مصلحة الوطن العليا فوق مصلحتها الحزبية الضيقة، معارضة تعارض من أجل البناء، فتصفق عند كل إنجاز، وتفرح به باعتباره إنجازًا يعود بالنفع على الوطن كله بمؤيديه ومعارضيه، معارضة تصفق للسلطة إن أحسنت وتوجه لها النصيحة إن أخطأت، معارضة تعرف متي تقول نعم ولا تستحي من اتهامها بتأييد النظام الذي تعارضه، ومتى تقول لا، ولا تخشى اتهامها بالخيانة دون مزايدة، معارضة تعرف هموم الوطن والمخاطر التي تحيط به، معارضة تمتلك المعلومة الصحيحة والبيانات المنضبطة، فلا تنخدع بالأكاذيب ولا تنساق وراء الشائعات، ولا تروج لها، معارضة لا تقصي نفسها عن الملعب السياسي إن خسرت إحدى جولاته، معارضة تعارض من داخل حدود الوطن، فلا تشكل خطرًا عليه، ولا تقف في صف المحاربين له، بل تعاديهم ما أظهروا العداء لوطنهم.
أما إذا كنا أمام معارضة السواد الأعظم فيها لا يؤمن بالوطن، ويعتبره حفنة من تراب عفن، ويتمنى له الخراب والدمار؛ لأنهم لا يعرفون عند الاختلاف السياسي شرف الخصومة، فإما أن تحكم الوطن وإما أن تدمره، فلا هي تدرك أين تقف ولا أين تتجه، معارضة ترى بعين واحدة، فلا ترى من الكوب إلا النصف الفارغ، لا تضع نفسها مكان النظام السياسي فتقدم حلولًا ومقترحات، بل تُحَوِّل كل إنجاز إلى كارثة، فهذه المعارضة لا تُشرِّف الوطن ولا يمكن اعتبارها جزءًا من النسيج الوطني الذي تكفر به، وستذهب إلى مذبلة التاريخ.
-------------------------
*نقلًا عن «الأهرام المسائي»





