نصوص تاريخية: العرب الأوائل وضعوا قواعد ممارسة كرة القدم
الإثنين 21/مايو/2018 - 11:04 ص
حور سامح
لم تكن الرياضة غريبة على العرب في العصر الجاهلي (أقدم العصور الأدبيَّة، ويُطلق عليه بعض الدارسين عصر ما قبل الإسلام)، ولعل تراثهم الشعري والنثري يثبت أنهم كانوا يمارسون الرياضة سواء في شكل سباقات الخيل، أو السباحة، أو الرماية، أو حتى كرة القدم في بعض الروايات التاريخية، الأمر ذاته ينطبق على الدولة الإسلامية في عهدها الأول؛ حيث عُرف عن رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- حثّه المسلمين على أن يكونوا أقوياء وأشداء.
كما أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- مارس الرياضة بنفسه؛ فقد روي أنه سابق «أم المؤمنين» (لقب يُطلق على زوجات الرسول)، عائشة، فسبقته وسبقها، وكان يمرُّ بالشباب وهم يلعبون ويسلم عليهم ويدعو لهم.
العصر النبوي
روى «ابن إسحاق» في سيرته أن «ركانة بن عبد يزيد بن هاشم» أحد أشد رجال قبيلة قريش (أشهر قبائل العرب في عهد النبي محمد) قوةً، خلا يومًا بمحمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض شعاب مكة، فقال له الرسول: «يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟»، فقال ركانة: إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك، فقال له الرسول: «أفرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق؟»، قال: نعم!، فقال الرسول: «فقم حتى أصارعك».
يقول «ابن إسحاق»: «قام ركانة إليه فصارعه فلما بطش به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أضجعه، ثم قال ركانة: عُد يا محمد، فعاد فصرعه، فقال: يا محمد والله إن هذا للعجب، أتصرعني؟».
ومن الأحاديث النبوية التي تُشجع المسلمين على ممارسة الرياضة، وتدعوهم لبناء أجساد قوية، ما رواه الإمام مسلم، عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير».
ويأتي حث ودعوة نبي الإسلام للمسلمين على ممارسة الرياضة، من منطلق أن الجسم القوي أقدر على أداء التكاليف الدينية والدنيوية، ولذلك لم يشرع الإسلام ما فيه إضعاف الجسد، للحدِّ الذي يعجزه عن أداء هذه التكاليف، بل خفف في بعض التشريعات مراعاة لصحة المسلم، فأجاز أداء الصلاة قعودًا لمن عجز عن القيام، وأباح الفطر لغير القادرين على الصيام، وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعبدالله بن عمرو بن العاص (صحابي، وأحد رواة الحديث النبوي)، وقد أرهق نفسه بالعبادة صيامًا وقيامًا: «صم وأفطر، وقم ونم، فإن لبدنك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا».
كما روي أن جماعة جاؤوا إلى الرسول، يشكون تعبهم من المشي فأوصاهم بمزاولة النَّسلان (الجري الخفيف)، فتحسنت صحتهم وزادت كفاءتهم، واستطاعوا المشي لمسافات طويلة دون تعب.
الصحابة والتابعون
وعلى هدي النبي محمد، سار الصحابة والتابعون وعموم المسلمين، وقد روي عن «عمر بن الخطاب» (ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول محمد)، أنه قال: «علّموا أولادكم السباحة والرماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثبًا»، وكذلك كان «الإمام الشافعي» (ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي) شغوفًا بممارسة الرياضة، وكانت الرماية هي اللعبة الرياضية المفضلة لديه، ولهذا قال عبارته الشهيرة: «كان همي في شيئين: الرمي، والعلم، فصرت في الرمي بحيث أصيب عشرة عشرة».
ويقول الإمام «أبوحامد الغزالي» (أحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري): «ينبغي أن يؤذن للصبي بعد الانصراف من الكُتّاب أن يلعب لعبًا جميلًا، يستريح إليه من تعب الكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب، وإرهاقه بالتعليم دائمًا، يميت قلبه ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه»، وأوصى «ابن النفيس» (عالم موسوعي وطبيب مسلم) في كتابه «الطب» أن يطبطب الطفل -أي يلعب الكرة- إذا تكاسل.
ويعتبر البعض أن العرب في الجاهلية، هم أول من وضعوا قواعد عامة لرياضة كرة القدم، ونظّموها وابتكروا لها وسائل تجعلها لعبة جميلة ومسلّية في آن واحد، مستدلين بما ذكر في صفحات تراث العرب الأدبي -شِعره ونثره- ومن هذا ما يقوله الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم:
يُدَهدهونَ الرؤوس كما تُدَهْـدي.. حَـزاوِرةٌ بأبطَحِـها الكُرِيْنا
ويدهدهون: أي يدحرجون، والحزاورة: تعني الغلمان الغلاظ الشداد، والأبطح: هو الملعب أو المكان المطمئن من الأرض، والكرينا: بمعنى الكرات أو الأكر - جمع كرة.
ومن أبلغ ما كُتب في تراث العرب حول كرة القدم، ما جاء في كتاب «محاضرات الأدباء»، على لسان «أبي قريش بن أسوط»؛ حيث يصف ويصور بشكل بديع حالة حب الكرة ثم ركْلها، حين يقول:
يحبُّ دنوَّها لهفًا إذا ما .. دنــتْ مـنه بكــدٍّ أي كدِّ
قلاها ثم أتبعها بضربٍ .. وأعقب قربها منه ببعدِ
انتقاد ممارسة الرياضة
وهناك بعض من ينتقدون أشياء معينة في رياضة كرة القدم، من أبرزها: أن أسوأ ما يفضي إليه تشجيع هذه الرياضة من نتائج، هو القطيعة بين المسلمين، وإثارة النعرات القومية والوطنية فيما بينهم.
ولم تغفل تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة هذا الجانب الذي انتقده البعض؛ فقد روى أن أعرابيًّا سبق بجمله، ناقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي كانت لا تُسبق، وشقّ على المسلمين ذلك، فجسد الرسول مثالًا حيًّا للروح الرياضية، حين قال: «إن حقًّا على الله ألا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه»، وهذا من أدبه وحكمته وهديه، الذي علم به الأمة.





