«دار السلم ودار الحرب».. تبرير الإرهابيين لمهاجمة الدول الإسلامية

تُعرِّف أدبيات الحركات الإسلامية البلاد الخاضعة لسلطان المسلمين وحكمهم، أو التي يغلب عليها ظهور شرائع الإسلام بـ«دار السلم»، حتى إن كان معظم سكانها من غير المسلمين، بينما تُعرِّف البلاد الخاضعة لحكم غير المسلمين أو لا يظهر فيها تطبيق تعاليم الإسلام، أو أن يكون المسلمون فيها أقلية غير حاكمة، بـ«دار الحرب».
لم ينص القرآن ولا السُّنّة
على تقسيم العالم إلى ديار كفر وإيمان، أو حرب وسلم، نصًّا صريحًا، ولكنها مصطلحات
ظهرت في العهد الأموي، ويُعتبر الإمام أبوحنيفة النعمان في الشام -أي بعد نحو 100 عام من الهجرة النبوية إلى المدينة عام 622م- مبتدع هذا المفهوم، وتسبب عدم
وجود نص مقدس قاطع في حدوث اختلافات بين الفقهاء حول هذا المصطلح، خاصة أن عددًا
من العلماء المعاصرين يرون أن ميثاق الأمم المتحدة اعتبر كل الديار اليوم دار سلم.
وتضع كتب الفقه الإسلامي -التي
تعد بمثابة المرجعية للجماعات التكفيرية المعاصرة- 3 شروط لتصبح الدار دار حرب؛
أولها أن تكون ملاصقة لأرض حرب لا يفصل بينهما دار للمسلمين، والثاني ألا يبقى
فيها مسلم آمن بإيمانه ولا شخص من أهل الكتاب آمن بأمانه، والثالث أن يُظهروا
أحكام الشرك فيها.
وقال ابن تيمية (1263م -
1328م) -المصدر الأساسي لمرجعية التكفيريين- في كتابه «مجموع الفتاوى»: «كون
الأرض دار كفر ودار إيمان أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها؛ بل هي صفة عارضة بحسب
سكانها؛ فكل أرض سكانها مؤمنون متقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت».
كما أشار إلى أنه يمكن أن
يجتمع في الدار، كفر وإيمان وفسق وإسلام، مثلما حدث في مدينة ماردين –تقع جنوب
تركيا حاليًّا- وهي مسقط رأسه؛ حيث كانت بلدًا إسلامية وقعت تحت حكم
«الكفار» عن طريق الغزو.
واستغلت التنظيمات
الإرهابية الاجتهاد حول هذا المصطلح، لتحكم على بلاد المسلمين بأنها ديار كفر
وحرب، بزعم أن حكامها لا يطبقون الشريعة، على الرغم من ظهور الشعائر الإسلامية
فيها، مع ما يترتب على ذلك من استحلالهم لدماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم
المعصومة في هذه البلاد، واعتبار هذا نوعًا من الجهاد في سبيل الله -حسب زعمهم-
علمًا بأن الفقه الإسلامي المُعاصر يؤكد أن بلاد الإسلام لا تُصبح دار حرب بأخذ
الكفار لها بالقهر، مادامت شعائر الإسلام قائمة فيها.
وقال أبوعمر البغداديّ،
الأمير السابق لتنظيم «داعش»، في كلمة له تعود لعام 2007: «نعتقد أن الديار إذا
علتها شرائع الكفر وكانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي ديار كفر»،
ثم أسقط هذا الكلام على الواقع المعاصر، قائلًا: «وبما أن الأحكام التي تعلو جميع
ديار الإسلام اليوم هي أحكام الطاغوت وشريعته؛ فإننا نرى كفر وردة جميع حكام تلك
الدول وجيوشها، وقتالهم أوجب من قتال المحتل الصليبيّ»، إلا أنه تناقض مع نفسه
بقوله: «ولا يلزم هذا أن نكفر ساكني الديار»، وإذا كان صادقًا في هذا
فما العبرة من وصف هذه الديار بالكفر إذا لم يكن المقصود تكفير أهلها؟
وقد ذهب أبومحمد المقدسي،
أحد منظري «السلفية الجهادية» إلى ما هو أبعد من هذا؛ حيث جعل مكة المكرمة دار كفر
وحرب، في كتابه «وقفات مع ثمرات الجهاد»، ص 86، بقوله: «الدنيا
كلها اليوم دار كفر، والمسلمون فيها مستضعفون، وديارهم كلها مسلوبة محتلة مغتصبة،
إما من كفار خارجيين، أو من كفار داخليين موالين للكفار الخارجيين، ولا أستثني من
ذلك حتى مكة والمدينة».
كما دعا أبومحمد العدناني، المتحدث الرسمي السابق باسم «داعش»، أنصاره لتحرير مكة المكرمة، في كلمة بعنوان «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ» قائلًا: «واصلوا زحفكم.. وإن لكم موعدًا في بغداد ودمشق والقدس ومكة والمدينة»، علمًا بأن مكة لا يجوز أن تكون دار حرب حسب وصية النبي محمد للمسلمين بعد فتحها إلى يوم القيامة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- إنه «بلد حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة».